يتكشّف للبنانيات واللبنانيين يومًا بعد يوم أنهم حقًّا لا يعيشيون في كنف دولة مدنية، ولا حتى دولة، إنما في ظلّ تركيبة يتحكّم بها رجال الدين بالتواطؤ مع سلطة سياسية احترفت الإجرام قتلا وسرقة. فآخر فصول الهرطقة القانونية والدستورية المستوحاة من التعاليم الدينية التي لا تنفك هذه السلطة تتحفنا بها، سطّره وزير الثقافة محمد المرتضى عندما طلب منع عرض فيلم "باربي" كونه يروج للمثلية الجنسية بحسب ما زعم.
تنطبق على وزير الثقافة مقولة "دارس مش فاهم"، لذلك سنعيد شرح التالي:
لقد أرست المادة ٩ من الدستور التي يتمسك بها الوزير والطوائف، منعا لإحراز أي تقدم على الصعيد المدني في قضايا الأحوال الشخصية، نوعاً من التوازن بين مدنية الدولة من جهة، وبين حقوق الطوائف من جهة أخرى.
تبدأ المادة بحرية الاعتقاد المطلقة وهنا الجوهر والأساس، أي أن الدولة مسؤولة عن حماية حريات جميع المواطنين أكانوا مؤمنين أو ملحدين. أضف اليها المادة الثامنة من الدستور التي تنص على أن الحرية الشخصية مصانة وهي بحمى القانون، أضف إليها الفقرة "ج" من الدستور والتي تنص على أن لبنان جمهورية برلمانية ديمقراطية تقوم على احترام الحريات العامة ، اضف اليها المادة ١٣ التي تحمي حرية الرأي والتعبير. ولكن يبدو أن تحالف الطبقة السياسية مع رؤساء الطوائف يريد أن يحقق انتصارا وهميا آخر بوجه الحريات ومدنية الدولة. وفي ذلك تشويه خطير لروحية الدستور، ومنحى للتحول من نظام مدني، إلى حكم ديني خبيث يتألف من ١٥ قانون طائفي لا يجمعها جامع سوى التحكم بحريات وخصوصيات الأفراد عبر التدخل في حياتهم الخاصّة وفرض رقابة على مضاجع الناس.
لم تهترئ هذه الدولة إلا لأن الدين والتديّن خرقا النظام السياسي وأصبحا جزءا منه ليشكلا ورقة يلعبها القوامون على الطوائف والسياسيون، ولأن السلطة الدينية أمنت غطاء حماية منذ عقود للسياسيين وأصحاب النفوذ في لبنان. لم نصل الى هذا الحضيض إلا لأننا لم نحترم أدياننا وجوهرها والجوهر للتذكير هو الرحمة والمحبة والتآخي والالتقاء بل غذينا العصبية والتفرقة والكره والخوف من الآخر.
جميعنا قمنا ولم نقعد عندما نطق الوزير المرتضى ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟
سلطة عقدت العزم على أخذ لبنان الى كهوف ومغاور الرجعية ، الى زمن الظلام والظلامية حيث نعادي الكتب والأفلام وننحر الأفكار في مهدها وفي حين كانت بلدان المنطقة تهرع إلينا من أجل حفنة من الحرية، نراها استوحت لتسبقنا اليوم بمجالات مختلفة وتأسف لمآلنا.