يشهد مجلس النواب اللبناني حاليًا نقاشات متزايدة بشأن مشاركة اللبنانيين غير المقيمين في الانتخابات النيابية لعام 2026، وذلك في ضوء ما ينص عليه قانون الانتخاب رقم 44 الصادر عام 2017. فقد نظم هذا القانون في الفصل الحادي عشر (من المادة 111 إلى المادة 123) مشاركة غير المقيمين في العملية الانتخابية، حيث أقر بحقهم في الاقتراع في مراكز تُحدَّد بالتنسيق بين وزارتي الداخلية والخارجية، مثل السفارات والقنصليات اللبنانية، بشرط تسجيلهم في سجلات الأحوال الشخصية وعدم وجود مانع قانوني يحول دون تصويتهم.
بموجب هذا القانون تم تخصيص ستة مقاعد في مجلس النواب لتمثيل اللبنانيين غير المقيمين، موزعة بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين في القارات الست، على أن يُرفع عدد النواب من 128 إلى 134. غير أنه تم تعليق تطبيق هذه الأحكام استثنائيًا لمرة واحدة في انتخابات 2022، بموجب القانون رقم 8/2021، على أن يعود العمل بها في دورة 2026. بعد تلك الانتخابات، يُفترض أن يعود عدد النواب إلى 128، من خلال إلغاء ستة مقاعد من الطوائف التي خُصصت لغير المقيمين، عبر مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية والبلديات.
اليوم، ينقسم النواب في لبنان بين مؤيد لتطبيق هذه الأحكام في انتخابات 2026، وبين من يفضّل تعليقها مرة أخرى. هذا الجدل يعكس في جوهره التساؤلات العميقة حول مفهوم المشاركة السياسية في ظل نظام طائفي معقد واغتراب لبناني واسع.
الحق في التصويت الخارجي external vote
يُعدّ الحق في التصويت حق من حقوق الإنسان المنصوص عليه في المواثيق الدولية، وأبرزها المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وبالرغم من أن هذه المواثيق لا تنصّ صراحةً على الحق في "التصويت الخارجي"، إلا أن المادة 41 من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لعام 1990 تُعزّز هذا المفهوم، حيث تنص على حق هؤلاء في المشاركة في الشؤون العامة في دولة منشئهم، بما في ذلك التصويت والترشح في الانتخابات، وفقًا للقوانين الوطنية. كما تحث الدول المعنية على تيسير هذه المشاركة حين يكون ذلك ممكنًا وملائمًا من الناحية القانونية.
في المبدأ يُنظر إلى التصويت الخارجي باعتباره امتدادًا طبيعيًا للمبادئ الديمقراطية حيث يحق لجميع المواطنين، سواء أكانوا مقيمين داخل البلاد أو خارجها، المشاركة في اختيار ممثليهم، مما يساهم في تشكيل المؤسسات والسياسات الوطنية، ويُعزّز شرعية النظام السياسي ويقوي الانتماء الوطني. وإلى جانب الاعتراف بالحق في التصويت الخارجي كحق سياسي، يُنظر إليه أيضًا كأداة فعّالة للحفاظ على الروابط بين غير المقيمين ووطنهم الأصلي، وتعزيز انخراطهم في شؤونه والمساهمة في ازدهاره. ويبرز هذا البُعد مثلاً في حالات العمال المهاجرين، أو غير المقيمين الذين يعارضون أنظمة قائمة أو سابقة في بلدهم، أو أولئك الذين يقدّمون دعمًا اقتصاديًا مستمرًا عبر التحويلات المالية لعائلاتهم داخل البلاد. كذلك يتم تأييد التصويت الخارجي في بعض الحالات لأسباب سياسية خاصة في حال تأثير الأصوات الخارجية على نتائج الانتخابات لصالح فريق سياسي معيّن.
إلّا أن هذه الممارسة تُثير العديد من التساؤلات مثل مدى أحقية الأشخاص الذين يعيشون خارج البلاد لفترات طويلة في اختيار ممثليهم في الدولة، لا سيما أنهم لا يخضعون مباشرة للسياسات والقوانين التي تُطبَّق داخلها. وتزداد هذه الإشكالية تعقيدًا إذا كان عدد هؤلاء كبيرًا بما يكفي للتأثير في الهيكلية السياسية والتوجهات الوطنية الداخلية.
لكن رغم هذه التخوفات، تُظهر التجارب أن نسبة تسجيل ومشاركة غير المقيمين غالبًا ما تكون منخفضة وذلك يعود إلى مجموعة من العوامل السياسية والإدارية والمالية واللوجستية، مثل بُعد مراكز الاقتراع، وصعوبة الوصول إلى المعلومات، وضعف تنظيم الحملات الانتخابية في الخارج، فضلاً عن تعقيدات تسجيل الناخبين.
هناك 141 دولة أخرى تعطي مواطنيها غير المقيمين الحق في التصويت الخارجي، إنما طريقة تطبيق هذا الحق وشروط ممارسته تختلف من دولة إلى أخرى. يمكن التمييز بين نظامين رئيسيين لتمثيل غير المقيمين في البرلمانات الوطنية:
- مشاركة غير المقيمين في الانتخابات والتصويت للنواب في البرلمان الوطني اسوة بالمقيمين، أي دون أن يكون لهم تمثيل خاص في البرلمان.
- تمثيل غير المقيمين مباشرةً في البرلمان، بحيث يتم تخصيص نواب يمثلونهم دون سواهم في البرلمان الوطني.
أوّلاً - تمثيل غير المُقيمين دون تخصيص مقاعد
لقد منحت العديد من الدول مواطنيها غير المقيمين الحق في المشاركة في الانتخابات الوطنية، أسوةً بالمقيمين، من دون تخصيص مقاعد برلمانية خاصة لهم. فهم يصوّتون كما لو كانوا من السكان المقيمين داخل الدولة. تُتيح هذه الآلية للمقيمين وغير المقيمين على حدٍّ سواء اختيار ممثليهم في البرلمان دون تمييز، ويُمنحون الحقوق الانتخابية ذاتها، مع اختلافات تتعلق بالشروط القانونية أو التنظيمية في بعض الدول. فتقيّد بعض الدول هذا الحق بشروط تتعلق بمدة الإقامة خارج الدولة، أو بمدى ارتباط غير المقيمين وتأثرهم بالسياسات الوطنية الداخلية. من الدول التي طبقت هذا النظام في التصويت نذكر السويد، الدنمارك، كندا، ألمانيا، فنلندا، اليونان، اليابان، بولندا، سنغافورة، جنوب أفريقيا، كوريا الجنوبية، إسبانيا…
في ألمانيا مثلاً يمكن لغير المقيمين الاقتراع في انتخابات البرلمان الألماني (Bundestag). يقوم الناخبون بالإدلاء بصوتين، الأول لاختيار أحد المرشحين في الدائرة الانتخابية التي كانوا يقيمون فيها آخر مرة داخل ألمانيا (ممثل عن الدائرة الجغرافية)، أمّا الصوت الثاني فيتم الإدلاء به لاختيار قائمة حزبية على المستوى الوطني. إلا أن القانون يشترط في بعض الحالات ليتمكن غير المقيم من الاقتراع أن يكون على دراية شخصية ومباشرة بالوضع السياسي في البلاد، وأن يتأثر فعليًا بالسياسات العامة، لضمان وجود صلة حقيقية بين الناخب والسياسة الداخلية.
في المقابل، اتخذت كندا موقفًا مختلفًا فيما يتعلق بشروط تصويت غير المقيمين. فمنذ عام 2000، كانت كندا تمنع المواطنين الذين أقاموا خارج البلاد لمدة خمس سنوات متواصلة أو أكثر من المشاركة في الانتخابات الفيدرالية، وذلك بذريعة الحفاظ على نزاهة النظام الانتخابي وضمان عدالة التمثيل. لكن في عام 2019، أصدرت المحكمة العليا الكندية قرارًا بإلغاء هذا الشرط، معتبرةً إياه تقييدًا غير مبرر للحق الدستوري في التصويت وأنه يسبّب ضررًا فعليًا لا تُقابله منفعة واضحة أو مثبتة تتعلق بسلامة أو عدالة النظام الانتخابي. كذلك رأت المحكمة أن هذا الشرط قد يحرم مواطنين لا يزالون مرتبطين فعليًا بكندا — من خلال علاقات أسرية، التزامات ضريبية، زيارات منتظمة، أو استفادة من الخدمات الاجتماعية — من ممارسة حقهم الطبيعي في الاقتراع، خاصة في ظلّ عدم وجود أي دليل على يثبت تأثير تصويت غير المقيمين سلباً على نزاهة الانتخابات.
الدولة |
الشروط (الخاصة) المفروضة على اقتراع غير المقيمين |
المانيا |
- أن يكون للشخص محل إقامة أو أقام في ألمانيا بشكل دائم خلال ال25 سنة السابقة، لمدة ثلاثة أشهر متواصلة بعد أن أتم ال14 من العمر. - /أو/ أن يكون الشخص على دراية شخصية ومباشرة بالظروف السياسية في ألمانيا ويتأثر بها. |
السويد |
أن يكون الناخب مسجلاً في السجل الانتخابي في السويد |
دنمارك |
يمكن فقط للذين لديهم إقامة دائمة في الدولة التصويت في الانتخابات. إنما يوجد بعض الاستثناءات: - يمكن لأي شخص أقام في الخارج لمدة عامين أو أقل أن يتقدم بطلب للحصول على إذن للتصويت في الانتخابات. - الدنماركيون الموفدون إلى الخارج من قبل جهة حكومية أو شركة خاصة أو منظمة، أو الذين يعملون لدى جهات مثل الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة، يحتفظون بحقهم في التصويت لمدة 8 سنوات بعد مغادرتهم الدنمارك. - الأشخاص الذين يدرسون في الخارج أو يقيمون في الخارج لأسباب صحية. |
كندا |
- أقام الشخص في كندا لمرة واحدة على الأقل في حياته - تسجيل الناخب في سجل الناخبين المقيمين في الخارج |
فينلندا |
لا فرق بين المقيمين وغير المقيمين |
اليونان |
- اسم الناخب مسجّل في القوائم الانتخابية - تسجيل الناخب في قائمة الناخبين المقيمين في الخارج على أن يكون طالب التسجيل:
|
اليابان |
- التسجيل في سجل الناخبين المقيمين في الخارج - الحصول على بطاقة "ناخب في الخارج" |
بولندا |
- التسجيل في سجل الانتخابات |
سنغافورة |
التسجيل في سجل الناخبين على أن يكون طالب التسجيل:
|
جنوب أفريقيا |
- يحمل الناخب بطاقة تُعرّف عن هويته وجنسيته - التسجيل كناخب في الخارج |
كوريا الجنوبية |
التسجيل في سجل الناخبين في الخارج |
اسبانيا |
التسجيل في سجل الناخبين في الخارج |
تُشير هذه النماذج إلى تنوّع المقاربات في تنظيم اقتراع غير المقيمين. ومع ذلك، فإن اعتماد الآلية التي تساوي بين المقيمين وغير المقيمين في حق التصويت قد يثير إشكاليات، لا سيما في الدول التي لديها أعداد كبيرة من الناخبين في الخارج قادرة على التأثير الفعلي في نتائج الانتخابات وتوجيه السياسات الداخلية. في مثل هذه الحالات، قد يعترض جزء من الرأي العام الداخلي على مشاركة غير المقيمين، خشية أن تؤدي أصواتهم إلى نتائج لا تعكس أولويات السكان المقيمين، أو تضر بمصالحهم المباشرة.
لمعالجة هذه الإشكالية، اتخذت بعض الدول تدابير بديلة. على سبيل المثال، أنشأت إسبانيا "المجلس العام للمواطنين الإسبان في الخارج" (General Council of Spanish Citizenship Abroad)، وهو هيئة استشارية مستقلة تُعنى بتمثيل مصالح الإسبان المقيمين خارج البلاد من دون أن يكون لهم تأثير مباشر على السياسة الداخلية من خلال التصويت البرلماني.
في المقابل، فضّلت دول أخرى إنشاء دوائر انتخابية مخصصة لغير المُقيمين في الخارج، تمنحهم تمثيلًا خاصاً في البرلمان، يعكس قضاياهم ويضمن مشاركتهم السياسية، دون أن يختلط تمثيلهم بالمقاعد المخصصة للسكان داخل البلاد.
ثانياً - تخصيص مقاعد برلمانية لغير المُقيمين
اختارت دول أخرى منح غير المقيمين تمثيلًا مباشرًا من خلال تخصيص مقاعد برلمانية لهم. البرتغال كانت أول دولة اعتمدت هذه الآلية الانتخابية لغير المقيمين في العام 1976، تلتها فرنسا، ايطاليا، كرواتيا، إكوادور، بيرو، الرأس الأخضر (Cape Verde) وتونس وغيرها. خصصت هذه الدول عدداً معيّناً من المقاعد في البرلمان لتمثيل غير المقيمين فقط، ويقوم غير المقيمين بانتخاب هؤلاء الممثلين دون غيرهم في البرلمان. من المتوقع أن يقوم هؤلاء الممثلون بتنشيط النقاشات داخليًا ودوليًا من خلال الحفاظ على الروابط السياسية بين الوطن ومواطنيه في الخارج.
في فرنسا مثلاً، الجمعية الوطنية الفرنسية (National Assembly) تضم 577 نائبًا يُنتخبون بالاقتراع العام، مقسمين على النحو التالي:
-566 دائرة داخلية، كل منها تمثل حوالي 125,000 مقيم داخل فرنسا، ويُنتخب نائب واحد عن كل دائرة.
-11 دائرة انتخابية خارجية، تمثل نحو 2.5 مليون فرنسي مقيمين في الخارج. يُسمح لهؤلاء غير المقيمين بالتصويت فقط لمرشحي دوائرهم الخارجية، حيث يُنتخب نائب واحد عن كل دائرة.
جاء إنشاء هذه الدوائر الخارجية عام 2010، كنتيجة لإصلاح دستوري هدفه تعزيز تمثيل الفرنسيين المغتربين:
- قبل عام 2008: كان يُسمح لغير المقيمين بالتصويت في الانتخابات الرئاسية والاستفتاءات، لكن لم يكن لديهم أي ممثل في الجمعية الوطنية (على عكس مجلس الشيوخ بحيث كانوا ممثلين فيه)
- في عام 2008: تم إقرار تعديل دستوري أتاح للمغتربين الحق في التمثيل البرلماني الخاص في كل من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.
- في عام 2010: تم إنشاء 11 دائرة انتخابية خارجية.
- في عام 2012: جرت أول انتخابات لاختيار نواب الدوائر الخارجية.
يتمتع نواب الدوائر الخارجية بكامل صلاحيات أعضاء الجمعية الوطنية، ويشاركون في التشريع وتمثيل مصالح الفرنسيين في الخارج، لا سيما في قضايا مثل الخدمات القنصلية والتعليم والضرائب والضمان الاجتماعي.
الدولة |
الدوائر الخارجية |
فرنسا |
11 دائرة (11 مقعد في البرلمان الوطني من أصل 577) |
ايطاليا |
دائرة واحدة مقسمة على أربع مواقع جغرافية (لانتخاب 12 نائب و6 شيوخ) |
تونس |
10 دوائر (لكل دائرة مقعد واحد) |
البرتغال |
دائرتين: دائرة في أوروبا وأخرى لباقي الدول (لانتخاب 4 نواب - كل دائرة نائبين) |
ماذا بالنسبة للبنان؟
قبل عام 2008، لم يكن هناك أي نص قانوني يُجيز اقتراع اللبنانيين غير المقيمين، وذلك حتى صدور قانون الانتخابات النيابية رقم 25/2008، الذي أقرّ ونظّم للمرة الأولى مبدأ اقتراع غير المقيمين (من المادة 104 إلى المادة 114)، غير أن هذا الحق لم يُطبّق حتى إقرار قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب رقم 44/2017، الذي فعّل هذا الحق ونظّمه في الفصل الحادي عشر. بموجب هذا القانون، تم تخصيص ستة مقاعد في مجلس النواب لتمثيل اللبنانيين غير المقيمين، موزعة بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، وعلى امتداد القارات الست، على أن يُرفع عدد النواب من 128 إلى 134 نائباً لتأمين هذا التمثيل. غير أنه تم تعليق تطبيق هذه الأحكام استثنائياً لدورة انتخابات 2022 فقط، بموجب القانون رقم 8/2021، على أن يُعاد العمل بها في انتخابات 2026. ووفقاً لهذا الترتيب، من المفترض بعد تلك الدورة أن يعود عدد النواب إلى 128، عبر إلغاء المقاعد الستة الخاصة بغير المقيمين، بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح من وزير الداخلية والبلديات.
تتباين المواقف حالياً داخل مجلس النواب بشأن إعادة تطبيق هذه الأحكام في انتخابات 2026، حيث يدعو بعض النواب إلى تنفيذها، في حين يفضل آخرون تعليقها مجدداً لأسباب متعددة. وفي هذا الإطار، تقدم تسعة نواب بتاريخ 9 أيار 2025 باقتراح قانون يهدف إلى إلغاء المقاعد الستة الخاصة بغير المقيمين، مع التأكيد على تطبيق الأحكام العامة التي تنظّم اقتراع اللبنانيين، سواء أكانوا مقيمين أم غير مقيمين، بما يكرّس مبدأ المساواة فيما بينهم.
في الأسباب الموجبة لهذا الاقتراح، يشير مقدموه إلى أن:
- الاقتراع العام يُعد من الحقوق المدنية والسياسية الأساسية المعترف بها دولياً، وهو مكرس في الدستور اللبناني وقانون الانتخاب.
- حق الاقتراع يرتبط بالمواطنة وبحرية الناخب في ممارسة حقوقه السياسية، مما يعزز سيادة الشعب ويعطي الشرعية للسلطات المنتخبة.
- ضمان اقتراع غير المقيمين يعزز ارتباطهم بالشأن العام اللبناني، خاصة أن عدداً كبيراً منهم يتابع الحياة السياسية في لبنان بشكل يومي ويتمتع بدرجة عالية من الإلمام بالواقع السياسي المحلي.
أما فيما يتعلق بإلغاء المقاعد الست، فيستند الاقتراح إلى حجج عدة، أبرزها:
تكريس مبدأ المساواة:
- يشير الاقتراح إلى أن تخصيص دائرة انتخابية خارجية واحدة تمتد على ست قارات يؤدي إلى تهميش قوة الصوت الاغترابي، ويحدّ من قدرة غير المقيمين على خوض حملات انتخابية فعالة. كما يُعد هذا التخصيص إخلالاً بمبدأ المساواة في التمثيل، نظراً لأن المقيمين موزعون على دوائر عدة، بينما يُحصر غير المقيمين بدائرة واحدة وست مقاعد فقط.
- يستند الاقتراح إلى اجتهاد المجلس الدستوري رقم 4/1996، الذي شدد على أنه يكون الانتخاب وسيلة للتعبير الديمقراطي السليم عندما يحقق المساواة بين المواطنين أمام القانون. ويرى مقدمو الاقتراح أن هذه المساواة تقتضي إخضاع جميع الناخبين لقانون انتخابي موحد يضمن المساواة في "إعطاء كل صوت القيمة الاقتراعية ذاتها في مختلف الدوائر الانتخابية".
صعوبات في التطبيق:
- يُشير الاقتراح إلى أن الفصل المتعلق بغير المقيمين في القانون 44/2017 لا يحدد بوضوح آلية احتساب المقاعد الستة أو طريقة تخفيضها لاحقاً، ويترك الأمر للجنة مشتركة تشكل من قبل وزارتي الداخلية والخارجية، ممّا يمنح السلطة التنفيذية سلطة التحكم بمسار العملية الانتخابية والتي يمكن تعديلها مرات عدة. ويُثير ذلك مخاوف بشأن الاستقرار القانوني، ويضع تنفيذ القانون تحت استنسابية توجهات الحكومة التي يمكنها التأثير على نتائج الانتخابات، مما يشكل خرقاً لمبدأ فصل السلطات.
من التحديات التي تم ذكرها أيضاً: ما يتعلق بتنظيم الانتخابات في الدائرة الخارجية على مستوى الترشيحات، اللوائح، الحملات الانتخابية، وفرز النتائج.
نرى أن تطبيق آلية تخصيص المقاعد الستة لتمثيل اللبنانيين غير المقيمين يواجه صعوبات كبيرة، نؤيد في هذا السياق الأسباب الموجبة الواردة في اقتراح القانون. كما نشير إلى أن هذه الآلية تصطدم أيضًا بمبدأ المساواة في التمثيل الطائفي على مستوى القارات الست، نظرًا لعدم توازن التوزيع الجغرافي للطوائف.
صحيح أن عدد اللبنانيين المقيمين في الخارج يُقدَّر بأنه يتجاوز عدد المقيمين في الداخل، مما يجعل الجالية اللبنانية في الاغتراب من بين الأكبر في العالم. وبناءً على ذلك، قد يبدو من المنطقي والعادل أن يكون لهؤلاء تمثيل خاص في المجلس النيابي (تخصيص مقاعد)، لا سيما إذا كان لصوتهم تأثير فعلي على السياسات الداخلية، التي قد لا تعكس دائمًا تطلعات الرأي العام المحلي.
إلا أنه نلاحظ أن غالبية اللبنانيين في الخارج، رغم غيابهم لفترات طويلة، لا يزالون يحافظون على روابط وثيقة مع وطنهم، سواء من خلال العلاقات العائلية، أو التحويلات المالية، أو المتابعة اليومية للشأن العام، أو حتى المشاركة في الحياة السياسية عبر دعم الأحزاب اللبنانية أو من خلال الزيارات المتكررة إلى لبنان التي تشجعها الحكومة اللبنانية لتعزيز الازدهار الاقتصادي والسياحي في لبنان.
انطلاقاً من هذا الواقع ونظراً للصعوبات التي تواجه تطبيق آلية تخصيص المقاعد الستة وتوزيعها بالتساوي على المسيحيين والمسلمين، نرى أنه من الأنسب تطبيق مبدأ المساواة بين المقيمين وغير المقيمين وبالتالي الإبقاء على النظام الذي يسمح لغير المقيمين بالمشاركة في التصويت ضمن دوائرهم المحلية الأصلية، من دون تخصيص مقاعد لهم في مجلس النواب.
المصادر: