Latest news

!مدنية الدولة في مهب الريح: قمع عنيف لمسيرة الحريات

07/10/2023 | 12 minutes reading
الشرطة تمنع الرجال من اعتراض مسيرة لدعم الحريات في بيروت، في 30 أيلول 2023، (أ ف ب)

دعت أكثر من 24 منظمة من منظمات المجتمع المدني وناشطين/ات وصحفيين/ات إلى "مسيرة الحريات" بتاريخ 30 أيلول 2023، وذلك احتجاحاً على تصاعد القمع والانتهاكات المتتالية والمتكررة التي تعرضت لها الحريات العامة والخاصة في لبنان خلال الآونة الأخيرة، والتي ارتكبت إمّا من قبل سلطات الدولة أو من قبل مجموعات استباحت العنف ضدّ فئات معينة من أفراد المجتمع بتأييد صريح أو ضمني من قبل هذه السلطات عوضاً عن ملاحقتهم ومساءلتهم. تمثلت هذه الانتهاكات بشكل أساسي في ملاحقة واستدعاء ناشطين/ات وصحفيين/ات بجرائم القدح والذم على خلفية انتقادهم السلطات السياسية والأمنية والدينية ومناشدتهم بمحاسبة الفاسدين، وفي التحريض على الفئات المهمّشة في المجتمع وبالأخص أفراد مجتمع الميم عين، وفي التضييق على حق المحامين والكوميديين والأساتذة في التعليم الرسمي في التعبير.

قبل يوم واحد فقط من انطلاق "مسيرة الحريات"، تصاعدت التهديدات والدعوات لاستخدام العنف ضد المشاركين/ات فيها. هذا الأمر دفع المنظمات الداعية لهذه المسيرة إلى تغيير مخططاتها لحماية المشاركين والمشاركات، وقررت حصر المسيرة في وسط العاصمة بيروت والاكتفاء بتلاوة بيان يؤكد على التزام الدولة اللبنانية في صون الحقوق والحريات، بدلاً من اتباع مسار المسيرة الأصلي وهو الانطلاق من ساحة رياض الصلح باتجاه وزارة الداخلية.

يوم المسيرة شهد تأكيدًا قاطعًا على توجه السلطة لقمع الحريات في لبنان. إلى جانب "مسيرة الحريات" السلمية التي يطالب المشاركون/ات فيها بقيام الدولة بالتزامها القانوني في ضمان واحترام الحريات، شهدنا مسيرة أخرى مناهضة "لمسيرة الحريات" ضمّت مجموعة من الشبان من بينهم شبان يستقلون الدراجات النارية. المفارقة هنا هي أن "مسيرة الحريات" كانت مسيرة سلمية بينما المسيرة المناهضة لم تتخذ شكل التجمع السلمي المُضاد بل كانت مسيرة عنفية قام المشاركون فيها بالاعتداء على المشاركين/ات في "مسيرة الحريات".

تعرّض المشاركون/ات في "مسيرة الحريات" لانتهاكات عدّة ارتكبت ليس فقط من قبل المشاركين في التظاهرة المضادة على مرأى من عناصر قوى الأمن الداخلي، بل قام هؤلاء العناصر ايضاً بدورهم بانتهاك حق المشاركين/ات في "مسيرة الحريات" في التعبير والتجمع السلمي. وقد نتج عن هذه المسيرة سقوط ثلاثة جرحى على الأقل وإصابتهم بكدمات في الوجه والعيون. من جهة أولى، قام المشاركون في التظاهرة المضادة برشق المشاركين/ات في "مسيرة الحريات" بالحجارة، والاعتداء عليهم جسديًا، وتوجيه شتائم معادية لمجتمع الميم عين. وقد استمرت هذه الاعتداءات لمدة ساعة تقريباً. أمّا لجهة قوى الأمن الداخلي، فقد "حاولت" إبعاد المعتدين عن المتظاهرين/ات السلميين/ات، إنما بقيت هذه المحاولات غير فعالة وغير متناسبة مع الاعتداءات ولم تصبّ في وقف هذه الاعتداءات والقبض على المعتدين. وآخر محاولات مكافحة الشغب في "حماية" المتظاهرين/ات السلميين/ات تمثلت في جمع وإدخال هؤلاء في آليتها وإخراجهم/ن من ساحة رياض الصلح بعد محاصرتهن/م من قبل المعتدين. لم تقتصر انتهاكات قوى الأمن الداخلي على قمع ممارسة المتظاهرين/ات السلميين/ات لحقهم في التجمع السلمي والتعبير، إنّما امتدت هذه الانتهاكات إلى الاعتداء على هؤلاء من قبل بعض العناصر إن كان جسدياً أو من خلال مضايقة الصحفيين جسدياً ولفظياً ومنعهم من التغطية.

واستمرت انتهاكات الدولة وقوى الأمن الداخلي بعد انتهاء مسيرة الحريات، حيث لم يتم اتخاذ أي إجراءات قضائية ضد المعتدين، على الرغم من معرفة هويتهم خاصة وأن البعض منهم قاموا بالتفاخر بأفعالهم على مواقع التواصل الاجتماعي وتهديد منظمات المجتمع المدني بمزيد من الهجمات في حال تم تنظيم مسيرات أخرى في المستقبل. كما أنه لم يصدر من جهة وزارة الداخلية أي موقف رسمي يدين هذه الاعتداءات المرتكبة من قبل الأفراد المعتدين وقوى الأمن الداخلي. بل قام وزير الداخلية بتاريخ 2 تشرين الأول بتبرير قمع "مسيرة الحريات" بالقول بأن هذه المسيرة لم تكن مسيرة مرخصة، وأن قوى الأمن "تعاملت مع الوضع بحسب ما تقتضيه الضرورة".

 إذاً تُوّجت "مسيرة الحريات" هذه التي نادت بصون الحريات العامة والخاصة، بانتهاك حق المشاركين/ات فيها في التجمع السلمي، هذا الحق الذي يرتبط بممارسة الحريات العامة والخاصة المنادى بصونها، وأهمها الحق في حرية التعبير. وإن انتهاك الحق في التجمع السلمي جاء بشكل أساسي نتيجة تقاعس قوى الأمن الداخلي بالقيام بواجباتها القانونية في صون هذا الحق وحمايته وتيسيره 

فما كان يجب على وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي القيام به لحماية حق المشاركين/ات في التجمع السلمي في 30 أيلول 2023؟

 

في القانون: الدولة اللبنانية ملزمة باحترام وإعمال الحق في التجمع السلمي وحماية المشاركين/ات فيه

إن الحق في التجمع السلمي هو حق من حقوق الإنسان منصوص عنه في المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 21 العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه لبنان عام 1972. وقد نصت المادة 21 على أن الحق في التجمع السلمي هو حق معترف فيه ولا يجوز تقييده إلا بنص قانوني ومتى كان هذا التقييد ضروري في مجتمع ديمقراطي. وقد صدر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التعليق العام رقم 37 الذي يفسّر تفاصيل تطبيق المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

يصون الدستور اللبناني الحق في التجمع السلمي. فبموجب الفقرة "ب" من مقدمة الدستور يلتزم لبنان باحترام حقوق الإنسان كافة، بما في ذلك الحق في التجمع السلمي، استناداً إلى التزاماته بمواثيق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما أن المادة 13 من الدستور تنص على أن حرية إبداء الرأي قولًا وكتابة وحريّة الطباعة وحريّة الاجتماع وحريّة تأليف الجمعيّات كلّها مكفولة ضمن دائرة القانون. وبشكل خاص، تلتزم قوى الأمن الداخلي بمدونة السلوك الخاصة بها، وهذه المدونة توجب عناصر قوى الأمن الداخلي احترام الكرامة الإنسانية وصون الحريات العامة وحقوق الإنسان.

يتمتع جميع الأفراد، دون تمييز بينهم، بالحق في التجمع السلمي أي الحق في تنظيم تجمّع سلمي أو المشاركة فيه. وهذا التجمع السلمي هو عبارة عن تجمع عدد من الأشخاص للتعبير الجماعي عن آراء أو مواقف أو مطالب معينة مثل المطالبة في التمتع بحقوق وحريات معينة، وبناء عليه المشاركة في بناء مجتمع ديمقراطي قائم على حقوق الإنسان والحريات وعلى سيادة القانون والتعددية.

التجمع السلمي هو التجمع المستوجب الحماية بحسب المعايير الدولية. والتجمع السلمي هو ببساطة التجمع غير العنفي. يستفيد كل تجمع من قرينة السلمية إلى حين اثبات العكس. تلتزم الدولة اللبنانية بضمان واعمال وتيسير ممارسة الحق في التجمع السلمي وحماية المشاركين/ات فيه. وتبعاً لذلك لا يجب أن تتدخل الدولة بصورة غير مشروعة، غير ضرورية وغير متناسبة بممارسة الأفراد لهذا الحق. فإن تدخل الدولة في ممارسة هذا الحق وعدم احترامه وكفالته يشكّل علامة من علامات القمع في الدولة.

تنطوي حماية الحق في التجمع السلمي على تأمين الدولة لهذه الحماية بغض النظر عن محتوى التجمع و/أو عن هوية المشاركين/ات فيه وعلاقتهم/ن مع السلطة. فمثلاً يحظّر تقييد هذا الحق صراحة أو ضمناً إذا كان التجمع يطالب بإجراء تغييرات ديمقراطية في الحكومة أو النظام السياسي أو الدستور، كما الحال في "مسيرة الحريات" التي هدفت إلى الاحتجاج على قمع الحريات العامة والخاصة في لبنان وإعادة التذكير بالتزام الدولة القانوني في ضمان واحترام هذه الحريات وفي طليعتها حرية التعبير التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحق في التجمع السلمي، وتبعاً لذلك يكون ضمان احترام حق التجمع السلمي مرتبطاً باحترام الحق في حرية التعبير، إلى جانب حقوق أخرى مثل الحق في إنشاء الجمعيات والحق في المشاركة السياسية.

 في الممارسة: الدولة اللبنانية انتهكت التزاماتها في حماية الحق في التجمع السلمي في 30 أيلول 2023

تعتبر "مسيرة الحريات" تجمعاً سلمياً يستوجب الحماية المقررة في القوانين بحسب المعايير الدولية.

إن تذرع وزير الداخلية بسام المولوي بعدم تسيير "مسيرة الحريات" كونها مسيرة غير مرخصة لا يتوافق مع المعايير الدولية. إن الحق في التجمع السلمي هو حق قائم بحدّ ذاته ولا يحتاج إلى ترخيص لممارسته لأن ذلك يضرب جوهر هذا الحق في دولة ديمقراطية. إنما من الممكن إخطار السلطات بحصول تجمع سلمي ما من أجل تيسيره وتأمين الحماية اللازمة للمشاركين/ات فيه. وفي كل الأحوال، إن عدم إخطار السلطات لا ينزع عن التجمع صفة المشروعية ويجب أن لا يستخدم عدم الإخطار هذا كأساس لفض التجمع أو معاقبة منظميه أو المشاركين فيه.

هذا بالنسبة إلى المعايير الدولية الملزم بها لبنان، أمّا بالنسبة للقوانين الداخلية فنُشير إلى القرار رقم 1024 الصادر عن وزير الداخلية والبلديات بالوكالة أحمد فتفت بتاريخ 29/3/2006 المتعلق بتحديد آلية أخذ العلم للتظاهر والجمع والاعتصام من أجل منع حصول أي خلل أمني أثناء مواكبة التظاهرة أو أي أعمال شغب قد تحصل. إن هذا القرار لا يراعي المعايير الدولية بشكل مطلق خاصة لناحية وضعه شروط معينة على الحق في التجمع السلمي التي يمكن تفسيرها على أنها قيود لممارسة هذا الحق، فيشترط القرار مثلاً أن يكون منظمو التظاهرة من اللبنانيين وأن لا يقل عددهم عن ثلاثة وأن يتعهد مقدم طلب العلم بتحمل المسؤولية الكاملة عن أي ضرر قد تسببه التظاهرة للأشخاص والممتلكات الخاصة والعامة. التزاماً بالمعايير الدولية، إن تطبيق هذا القرار يجب أن يقتصر فقط على إعلام الدولة بهذا التجمع من أجل تيسيره وتأمين الحماية اللازمة للمشاركين/ات فيه وليس تقييده أو قمعه.

يبقى التجمع السلمي مستوجباً الحماية حتى لو لاقى ردّة فعل سلبية من الجمهور

يبقى التجمع سلمياً حتى لو كانت أفكار ومطالب هذا التجمع غير مألوفة أو تثير الجدل في المجتمع. فإن ردود الفعل السلبية أو حتى العنيفة من جانب بعض أفراد الجمهور أو حتى اعتراض التجمع بالعنف من قبل الجمهور، لا يشكل سبباً كافياً لحظر التجمع السلمي أو قمعه أو تقييده. ويبقى هذا التجمع والمشاركون/ات فيه مستوجبين الحماية. من هذا المنطلق، كان يتوجب على قوى الأمن الداخلي أخذ التدابير اللازمة لتأمين بيئة آمنة للمشاركين/ات في "مسيرة الحريات" للتعبير عن آرائهم دون التعرض لأي ضرر أو أذى من قبل المشاركين في التجمع المضاد "لمسيرة الحريات" بحيث قام هؤلاء بالتعبير عن اعتراضهم من خلال الاعتداء الجسدي على المشاركين/ات في التجمع السلمي وإلحاق الأذى والضرر بهم. كما انطوى هذا التجمع المضاد على التحريض على العنف والتمييز والكراهية ضدّ المشاركين/ات في التجمع السلمي وضدّ فئة معينة من المجتمع وهي مجتمع الميم عين. وهذا الأمر ينزع صفة السلمية عن هذا التجمع المضاد.

حماية غير فعالة

في ظل وجود هذا التجمع العنفي المضاد، قامت قوى الأمن الداخلي بذريعة "حماية" المشاركين/ات في مسيرة الحريات بتطويقهم/ن وتقييد حقهم/ن في التجمع السلمي ووضعهم/ن في الآليات الخاصة بها ونقلهم/ن من مكان التجمع إلى مكان آخر. أمّا بالنسبة لمعاملة قوى الأمن الداخلي مع المعتدين، لم يكن هناك تصدي فعلي للعنف ولم يتم اتخاذ أي تدبير بحق الأشخاص المعتدين.

لم يكن الهدف الأساسي من التدابير المتخذة من قبل عناصر قوى الأمن الداخلي صون حق المشاركين/ات في مسيرة الحريات في التجمع السلمي، إنّما قمع هذا التجمع بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة. فإن التدابير التي كان من الواجب اتخاذها من قبل قوى الأمن الداخلي هي تدابير تهدف إلى تيسير ممارسة الحق في التجمع السلمي وحماية المشاركين/ات بالتوازي. وإن ذريعة حماية المشاركين/ات في مسيرة الحريات لا تعتبر سبباً لتبرير تقييد حقهم في التجمع السلمي كما حصل، فكان يجب على قوى الأمن الداخلي تأمين مكان عام آمن وبيئة مناسبة للمشاركين/ات للتجمع سلمياً والتعبير عن مطالبهم/ن وموافقهم/ن. الحالة الوحيدة التي تبرّر تقييد حق التجمع السلمي لحماية المشاركين/ات فيها هو أن تكون القوى الأمنية عاجزة عن تأمين هذه الحماية من تهديد خطير على سلامتهم/ن ولا يمكنها احتواء الوضع حتى وإن نشرت قدرات كبيرة من عناصر الأمن. إن هذا العجز يجب أن يكون مبنيًّا على تقييم ملموس للمخاطر. وإن تم أخذ القرار بتقييد الحق في التجمع السلمي بسبب عجز الدولة، يجب أن يكون هذا التقييد ضرورياً ومتناسبًا وغير عشوائي. كما يجب أن لا يكون القيد مبنيًا على تمييز أو يمس بجوهر الحق في التجمع السلمي، بل يجب أن يكون أقل تدخلاً في ممارسة الحق مثل تأجيل التجمع أو نقله قبل حظره بشكل تام.

بالعودة إلى أحداث 30 أيلول 2023، لم تتحقق شروط تقييد حق المشاركين/ات في "مسيرة الحريات" في التجمع السلمي من أجل حمايتهم/ن؛ فإن قوى الأمن الداخلي لم تتخذ أي تدابير إضافية لحماية هؤلاء، أقله إنزال عدد أكبر من عناصر قوى الأمن لتهدئة الأوضاع والتصدي للعنف وردع المعتدين من خلال مثلاً تطويق الأشخاص المرتبطين ارتباطاً مباشراً بأعمال العنف فقط، وليس تطويق الأشخاص المشاركين في المظاهرة السلمية. وفي حال كان هذا التدبير غير كافٍ لوقف العنف، كان يمكن لقوى الأمن الداخلي أن تلقي القبض على المعتدين وتحيلهم إلى القضاء المختص عوضاً عن ضرب جوهر حق التجمع السلمي للمشاركين/ات في مسيرة الحريات.

لم يسلم الصحفيون من الانتهاكات

يستتبع حماية الحق في التجمع السلمي تيسير عمل الصحفيين/ات أثناء هذا التجمع وحمايتهم/ن وعدم تقييد أو عرقلة عملهم/ن لأي سبب غير مبرر. ولا يعتبر قيام هؤلاء برصد تصرفات وانتهاكات الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون سبباً يبرر قمعهم. 

لم تكتف قوى الأمن الداخلي في 30 أيلول 2023 بعدم تأمين حماية فعالة للصحافيين/ات الموجودين/ات أثناء التجمعات للقيام بعملهم، بل قام بعض عناصرها بالاعتداء عليهم/ن جسدياً ومضايقتهم/ن عند تغطية الانتهاكات الواقعة أثناء التجمع. 

العدالة القضائية

إن الحق في التجمع السلمي مُصان ليس فقط أثناء ممارسته بل قبل ممارسته وبعد ذلك ايضاً. وتبعاً لذلك إن انتهاك هذا الحق يستدعي مساءلة الأشخاص المسؤولين عنه مساءلةً قضائية، سواء كان هؤلاء من عامة الجمهور أو من السلطات العامة مثل عناصر قوى الأمن الداخلي. وفي ظل الانتهاكات التي حصلت في 30 أيلول 2023، إن الدولة اللبنانية ملزمة بالتحقيق بما جرى بشكل فعال ونزيه ومساءلة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.

 ما شهدناه خلال "مسيرة الحريات" يوم السبت الماضي كان مثيرًا للقلق، وإن النهج القمعي الذي اتبعته الحكومة بالتواطؤ مع رجال الدين وأتباعهم يهدف الى السيطرة على الأماكن العامة بطريقة استبدادية لقمع الناشطين/ات من استخدام الشارع  للتعبير والتجمع. وهذا الأمر يؤدي الى تعزيز سياسة الإفلات من العقاب وتجنّب المساءلة والمطالبة بالعدالة. كل ما حصل في 30 أيلول 2023 كان على مرأى ومسمع القوى الأمنية دون اتخاذ أي إجراء من قبلهم يسعى إلى حماية الحق في التجمع السلمي. وهذا بالرغم من وجود مدونة السلوك تفرض على القوى الأمنية احترام حقوق الإنسان والمحافظة على كرامة المتظاهرين، كما وجود قسم حقوق الإنسان ضمن قوى الأمن الداخلي الذي تأسسّ منذ عام 2008 والتي تتمثل مسؤولياته بشكل أساسي في منع الانتهاكات والتزام القوى الامنية أثناء تنفيذ مهامها بالقيم والمبادئ الإنسانية مثل النزاهة والعدالة والكفاءة والفعالية والحياد وحماية المتظاهرين والسماح لهم بالتعبير والتجمع في الأماكن العامة تعزيزاً لثقافة حقوق الإنسان والحريات. ما حدث لا يتماشى مع أبسط معايير الحماية، بل بدا وكأنه محاولة سطحية للحماية. الحماية الحقيقية لحق التجمع في بلد ديمقراطي تكون عبر تأمين مكان عام آمن للتجمع والتعبير، بدلاً من حصار المتظاهرين ونقلهم وتفريقهم بطريقة مُهينة ومذلّة وعدم توقيف أي من المعتدين عليهم.